"أسامة" .. هو اسمٌ لفتىً لا يعلم شيئًا عن والديه, وجد نفسه بمرور كثيرٍ من الأحداث متدربًا في أكاديمية "آر" لفنون التناغم.
تدور القصة حول أسامة, والعالم من حوله. حيث يقابل في رحلته العديد من الأصدقاء والأعداء, بدءًا من جزيرة المتدربين وانتهاءًا بالقارة. في قصةٍ رائعة أحاول أن أصوغها لكم بأفضل صورةٍ, لتصلكم بأبهى حلةٍ.
بوركتم ;)
على ساحل المصير.. وقف ذلك الرجل المتوشح عباءتَهُ السوداءَ بِتلك الليلة الظلماء، موجهًا بصرهُ الى الأفقِ البعيد، تحتَ ضوء ذلك البدرِ المتمركز في أعالي السماء..
لم يظهر من ملامح ذلك الرجل شيءٌ سوى طرفَي أنفه وفمه، فقد كان إخفاؤهُ لملامحهِ غايةً في الشدة.
سادَ ذلك الساحلَ صمتٌ كئيبٌ، قُطِعَ بصوتِ الرجل: "ﻻ تزال قدرتكِ على التخفي مثيرةً للإعجاب، سيدة (غصون)."
فجأة، ظهرت من العدم سيدةٌ يتضح عليها التقدم في السن، كانت تتوشحُ عباءةً سوداءَ هي الأخرى، لكنها لم تُحاول إخفاء وجهِها.
ردت قائلة: "عمت مساءًا، سيد (****).. أم من المستحسن ان أناديك بـ.. (EoZ)..؟".
خرجت من الرجل ضحكة خفيفة، قال بعدها: (كان من المفترض ان تُعلميني بوجودك هنا من قبل، ولكن هذا ليس مهمًا، أخبريني الآن، ما الذي دفعك للمجيء الى هنا خلفي في مثل هذا الوقت العصيب؟".
ابتسمت (غصون) ابتسامةً يبدو عليها البؤس والحزن، وكأنها تحمل قد حُمِلت على كاهلها..
ردت قائلة: "انتهى كل شيء يا (EoZ).."
التفت (EoZ) الى الخلف حيث تقف السيدة وكأنه سمع شيئا مفرحًا وصادمًا في الوقت نفسه، قال لها: "ولكن لما هذا التعبير الحزين يا أُختاه؟ أليست هذه أنباءً مفرحة؟!"
صمتت (غصون) وطأطأت رأسها وهي ناظرةٌ بعينَيها نحو اليسار، سكتت أكثر بينما (EoZ) كان ينظر إليها مُنتظراً ما ستقوله. ساد الصمتُ الكئيبَ على المكان من جديد، وشيئاً فشيئاً.. زاد ثِقل الهواء في جو المكان.
استجمعت (غصون) كلماتها وقالت: "لكن خسائرنا من المعركة الفاصلة كانت أكبر مما توقعنا، أكبر بكثير، في الواقع.. لقد خسرنا العديد من القادة الكبار، ولكننا مُنينا بالنصر في النهاية، لن نرى ذلك العدو مرةً أخرى، ولكن.."
"ولكن ماذا ..؟" قال (EoZ).
"لقد مات الليث." قالتها (غصون) حابسةً لدموعها والعبرة تكاد تخنُقُها، أكملت: "مُضحِّياً بحياته من أجل الجميع، من أجل الناس، والوحوش، والإمبراطورية.. بل من أجلِ القارة!".
ربت (EoZ) على كتفيها بهدوء، مُحاولاً التخفيف عنها..
"لله ما أخذ، ولله ما أعطى، وكلنا مُوافٍ أجَلَه. "
ثم أكمل: "وقد علِمتُ بذلك مُسبقاً، لذلك أخبرتُ (هيكتور) بما يتوجب فعله."
"وما الذي أخبرته به؟" سألت (غصون).
"إنه آتٍ الآن.. ﻻ تستبقي الأمور، سيجلب معه أملنا الكبير." قالها (EoZ) بكل اطمئنان. هدأت (غصون) من روعها واطمأنت لكلامه.
بعدها بلحظات، ظهر ختمٌ مضيء على أرض الساحل، أضاء شعاعًا ظهر منه رجلٌ ضخمٌ قوي البُنية، عاري الصدر، أشيبُ الشعر واللحية، تظهرُ عليه آثار الحروب. كان واضحًا أنه قد خرج للتو من معركةٍ دامية.
حَمل ذلك الرجل بين يديهِ طفلًا، طفلًا رضيعًا في أيامه الأولى.
"أعتذر عن تأخُّري." قالها ذلك الرجل بنبرةٍ يملؤها التعب والإرهاق.
رد (EoZ): "كما كنت أتوقع منك يا (هيكتور)."
نظرت (غصون) نحو ذلك الرجل الذي اصطَبغ شيبُ لحيتِه بلونِ الدم باندهاشٍ وفزع، فقد كان آخرُ ما تتوقعهُ من شخصٍ ذي وجهٍ تملؤهُ الندوب مثل (هيكتور) أن تُسنَد إليه مهمةٌ كمجالسةِ الأطفال!
ﻻحظ (EoZ) ذلك؛ فبادر بقوله: "لقد طلبت من هيكتور إحضار الطفل بعد انتهاء الحرب، لقد اؤتُمِنت على هذه المهمة، وقد أوكَلتُ هيكتور بأدائها. وﻻبد ان أقوم بتسليمه الى من يربيه."
أمسك بعدها بيدَي هيكتور وغصون، ثم ظهر ختم منير تحت أقدامهم نقلهم بعدها نقلًا آنيًا الى مكان آخر.
كان ذلك المكانُ شارعاً سكنياً يعُجُّ بالمباني في مدينةٍ هادئة، كان الوقت ليلًا والشارع خاليًا من المارة..
سار (EoZ) بمن معه حتى وصلوا إلى بوابة مبنىً في آخر الحي، طلبَ عندها من هيكتور أن يسلمه الصبي.
سلَّم (هيكتور) ذلك الصبي لـ(EoZ) وقد انتقلت قطراتٌ من دم (هيكتور) إلى جسد الصبي جراء حملِه له، أخذه (EoZ) ثم مشى حتى وقف أمام البوابة، حضَنَ ذلك الطفل بيديه، وهمسَ ببضع كلمات..
وضع السلة التي بها الطفل أمام بوابة المبنى، تراجع نحو الخلف قليلاً وكأنه يحاول تذكر أمرٍ ما..
وجَّه يدهُ اليمنى نحو الطفل رامياً بشعاعٍ خفيف، ثم قال: "الآن يمكننا أن نرحل مُرتاحي البال."
التفت نحوَ الخلف ليَجد (هيكتور) واقفاً بجمود وقد سالت دمعةٌ حارةٌ من عينِه اليُسرى. مشى (EoZ) بخطىً ثابتة نحو (هيكتور)، نظر إلى عينَيه بصمت، وبادله (هيكتور) النظرةَ نفسها. أمسكَ بيدِه هو وغصون، نظر حيثُ الطفل وهو يجهز الختم للانتقال..
قال في نفسه: "لم نتركك هنا إلا مُكرهين، وعندما تكبر؛ ستعلم أنَّا ما فعلنا هذا إلا لمصلحةٍ تمسُّك والجميع. لن يطول غيابُنا عنك، وستعود إلينا مجدداً، وستكون أنت أملنا الأعظم حين يحين الوقت. بُنَي، أُسَامَةْ."